لا تزال مدينة المحلّة الكبرى ثالث أكبر المدن المصرية بعد القاهرة والأسكندرية والتي تقع شمال العاصمة المصرية بحوالي 170 كيلو متر تعيش حالة من التوتر أثر الصدام الذي حدث بين الشرطة والشعب هناك على خلفية اضرابات واعتصامات نظمها عمال الغزل والنسيج يوم 6 أبريل الماضى وأنضمت إليهم فئات مختلفة من أبناء الشعب المصرى للمطالبة بزيادة الأجور و تخللتها احداث تخريب واراقة دماء يقول العمال الذين اضربوا عن هذه الاعمال ان السلطات الأمنية هي المسئولة عن اعمال الشغب والتخريب لكون انها دفعت ببلطجية ومسجلين خطر للأندساس بينهم اثناء التظاهرات وتدمير وحرق المنشآت العامة وهو ما تنفيه الشرطة المصرية وتحمل المسئولية للعمال أنفسهم واهل المدينة , وقد اعتقلت الشرطة المصرية 500 مواطن منهم وعامل وقدمتهم للنيابة والتي حبست بدورها 250 محلاوي منهم ومن هنا بات أسم المحلّة متداولا ً في وسائل الإعلام ولكون أن للمحلة تاريخ عريق ربما لا يعرفه غالبية المصريون انفسهم فأننا سنخرج من جو الأحداث التي شهدتها المدينة ونلقي نظرة شاملة عليها من حيث مكانتها الاقتصادية والصناعية والتاريخية وطبيعتها الجغرافية والسكانية وطباع اهلها وتراثها ودورها في تاريخ مصر. • أنتفاضة المحلّةيقول المحلل السياسى خليل العاني"جاء عهد عبدالناصر كي تتحول معه مدينة المحلّة إلى قلعة صناعية كبيرة ، تضاهي قلاع الإنتاج في شنغهاي وسول ونيودلهي وبرلين وموسكو. وجاء عهد الرئيس مبارك كي تخرج المحلّة من دائرة "الاحتضان" الحكومي ، ليلقى بها في جوف القطاع الخاص ليستفرد بها من دون رحمة. وهنا بدا انفصال المحلّة عن الرعاية الرسمية ، أشبه بفطام طفلٍ صغير عن حضن أمه.ولكون أن مدينة المحلّة الكبرى تعتبر من انشط مدن مصر الاقليمية في مجال النضال السياسي والعمالي يقول العاني" كان منطقياً أن تنفض المحلّة ، وكان منطقياً أن يثور أهلها ضد العوز وظلم الخصخصة ، وأن تتمرد على محاولات الفطام التي لم تراعِ خصوصية المدينة ، ودورها التاريخي في نهضة مصر ، وبناء مجد حكامها وسلاطينها طيلة القرون الماضية ".انتفاضة المحلّة التي حدثت يوم 6 أبريل جاءت كما يقول الخبراء لوجود اوضاع طبقية متعثرة بالمدينة نتيجة سياسات الانفتاح وللسياسات الحكومية المستمرة في بيع وتصفية القطاع العام (قطاع الاعمال) وايضا تدهور صناعة النسيج نتيجة العديد من الظروف العديدة سواءا الخاصة بسياسة وزارة الزراعة المصرية التي افقدت القطن المصري مكانته العالمية او سياسات الافقار المتبعة نتيجة اتباع سياسات صندوق النقد الدولي فتشهد المحلّة الكبرى تزايدا في نسبة البطالة بين الشباب وانتشار العديد من الامراض الاجتماعية نتيجة لهذه الظروف من سياسات القهر والتشريد المتتالى ونتيجة لتخوفات الحكومة من الوعي العمالى المتزايد قامت باجرءات امنية واستبعادية ضد العديد من القيادات العمالية المحترمة من مصانع المحلّة ومؤسساتها وايضا تشديد القبضة الامنية ضد أى تحرك سياسي حتى وإن كان سلمي وشرعي وقانوني فاستطاعت الاجهزة الامنية القضاء على العديد من اشكال تواجد الاحزاب الشرعية وتضييق الخناق على القوى السياسية الشريفة. ومن ثم ففي ظل الأزمة الأقتصادية التي تعيشها مصر وتجعل الناس يموتون في طوابيير الخبز المدعم من قبل الدولة , وفي ظل الغلاء الفاحش المستشري في مصر والذي تضاعفت الأسعار بسببه في الآونة الأخيرة مع تردي الأجور أنهارت معنويات العمال في المحلّة وتدهورت اوضاعهم وتعرضوا لضغوطات كغيرهم من ابناء مصر ومن هنا نتفهم انضمام غالبية المصريين اليهم في اضراب 6 ابريل الماضي للمطالبة بتحسين الأوضاع الأقتصادية , ولقد وصل الأمر بالعمال الغاضبين الى تحطيم صور وتماثيل الرئيس مبارك , ومن ثم وجدنا شيخ الأزهر يتدخل ليدين هو الآخر العمال على تلك الأحداث شاجبا ً ما فعلوه لكن النائب علي لبن (عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين) يرد عليه قائلا ً " إدانة شيخ الأزهر لأهالي المحلّة ، ووصفه إياهم بالسفهاء والمتعاونين على الإثم والعدوان. وقال النائبُ إنه كان الأجدر بشيخ الأزهر أن يدين تصرفَ قوات الأمن الوحشي ضد أهالي المحلّة ، ويقوم بتأييد مطالبهم بتحسين ظروفهم المعيشية ، وضمان حياةٍ كريمة لهم. • نبات التيلووفقا للمؤرخين المحايدين مثل المقريزي "عرفت مدينة المحلّة الكبرى في عهد الفراعنة باسم "ديدوسيا" ومعناه نبات التيل وكانت مركز حضاريا في قلب الدلتا حتى العصر القبطي والروماني فقد تسمت "محلة دقلا" وهو نفس الاسم الفرعوني ولكن باللغة اللاتينية وكانت مركز لصناعة النسيج والملابس حتى الفتح العربي لمصر حين اقاموا على تل ديدوسيا القريب من المدينة واسموها محلة الكبراء. وكانت تعرف بالوزارة الصغرى لانها كان فيها من النفوذ والحكم و مكان اقامة الامراء والشيوخ وعدلت بعد ذلك إلى محلة الكبرى وفى عهد الناصر قلاوون اصبحت عاصمة لاقليم الغربية سنة 715هـ 1320م الذى كان يضم وقتها محافظة كفر الشيخ والأجزاء الغربية من محافظة الدقهلية وفى عهد محمد على ضمت اليها محافظة المنوفية وسميت مديرية روضة البحرين واصبحت عاصمة لهذه المديرية الكبيرة التي كانت وقتها كامل الدلتا ماعدا محافظة دمياط وظلت هكذا حتى سنة 1836 م ونقلت العاصمة بعد أكثر من 515 سنة إلى طنطا وكانت المحلّة مدينة ليس لها زمام أى ليس لها اراضى زراعية وكانت مدينة قائمة بذاتها حتى سنة 1260 هـ 1844م ثم اضيف اليها الزمام الحالي حتى وصلت مساحتها إلى أكثر من 444 كيلو متر مربع لتصبح كبرى مدن محافظة الغربية وتشغل حوالى ربع مساحة المحافظة "ووفق اخر تعداد للسكان أجري بمصر " وصل عدد المواطنين في المحلّة الى اكثر من مليوني نسمة ووفق الاحصائيات الرسمية فإن نسبة الأمية - فوق 15 سنة في المحلّة الكبري منخفضة وتصل الي 15% في حين انها تتجاوز ال50 بالمائة في الكثير من ربوع مصر "وعلي الرغم من ان المحلّة كبري مدن محافظة الغربية والثالثة بعد القاهرة والاسكندرية من حيث المساحة والسكان الا انه لأسباب سياسية جعلت الحكومة من طنطا الأقل منها مساحة وسكانا واقتصادا عاصمة للمحافظة , وتتكون المحلّة من حيين ، حي أول وحي ثاني. وهي عاصمة صناعة الغزل والنسيج في مصر ، وعلى رأسها شركة مصر للغزل والنسيج في شارع طلعت حرب المسمى على اسم مؤسس الشركة والصناعي المصري الكبير طلعت حرب باشا والذي كان يعيش بمصر قبيل منتصف القرن الماضي.• شخصيات وثقافة ويوجد بالمحلّة الكبرى قناة تليفزيونية اقليمية وهى القناة السادسة للدلتا وقناة اعلانية كبرى خاصة بالمحلّة فقط وهى قناة المحلّة الكبرى(قناة البيت المحلاوى) وهى ثانى أكبر قناة خاصة بمصر. حيث ينتشر بالمحلّة الكبرى الكثير من دور النشر ومن أشهرها (دار الكتب القانونية وهي المكتبة الوحيدة متخصصة في القانون - ومطابع شتات - دار الشرق للطباعة - دار الصفا للطباعة - دار المصطفى للطباعة - كاركاتير للطباعة - دار الأمل - مطبعة طاهر- وغيرها. اما في مجال الافلام التسجيلية فيخص مدينة المحلّة المحلّة العديد من الافلام التسجيلية التى تصور الحياة العمالية والنقابية وبعض المساجد كالمتولي ومن ابرز رجال العلم والفن والثقافة والسياسة والصحافة والرياضة الذين انجبتهم لمصر المحلّة كل من الدكتور محمد أبو زهرة والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد السعيد نافع والشيخ عبد السلام أبو الفضل. ومن الشعراء والادباء الدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب حاليا والشاعر صلاح الشرنوبي والشاعر فاروق الشرنوبي والدكتور جابر عصفور الذي كان رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة , ومن الفنانين صفية العمري وزهرة العلا والسيد راضى وأحمد مرعي وعفاف راضي والسيد راضي وصلاح ذو الفقار والمثّال محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر والفنان محمد سعد الشهير باللمبي.وتعتبر مدينة المحلّة ثالث أكبر مدينة بها آثار اسلامية بعد "رشيد وفوة" حيث تتميز مدينة المحلّة الكبرى بعدد من المنشآت الاسلامية الاثرية والتى تحوى عدد من المساجد والقباب والمنشآت الاثرية على مر العصور الاسلامية والتي تتجاوز ال50 اثرا اسلاميا غالبيتها من المساجد التاريخية . ويوجد بها ايضا اكثر من ستة كنائس وكاتدرائية للمسيحيين ويوجد بمدينة المحلّة الكبرى منشآت لليهود اهمها : المعبد اليهودي (سوق اللبن) تم بناؤه قبل دخول الاسلام وتسمى (خوخة اليهود) وكنيس يهودي بمنطقة السبع بنات تم تحويله إلى كنيسة كاثوليكية ومقابر اليهود في أول شارع الجمهورية تم تحويله لمدفن كاثوليكي . وينتشر في المحلّة الكبرى المدارس بجميع انواعها من إبتدائية وإعدادية وثانوية حيث يوجد بها حوالى 6 مدارس ثانوية وكلهم في التعليم العام. أما التعليم الصناعى والزراعى والتجارى فتوجد حوالى 5 مدارس أخرى. ويوجد بها عشرات المدارس الإعدادية والإبتدائية. ولا ينقص المحلاوية كما يقولون إلا وجود فرع لجامعة طنطا حتى تكتمل المنظومة التعليمية حيث يتجه جميع الشباب فيها إلى جامعتى طنطا والمنصورة وباقى جامعات الجمهورية، كما يوجد بها الكلية التكنولوجية بالمحلّة الكبرى التي تضم معاهد الصناعية والتجارية للمحلة الكبرى والمنصورة والزقازيق ودمياط.• معالم المدينةيوجد بمدينة المحلّة الكبرى معالم تدل على ريادتها في الوقت المعاصر ومنها على سبيل المثال برج ساعة شركة مصر للغزل والنسج الذى تم أنشاءه عام 1933م ـ وهو ثانى اعلى برج في العالم وشركة مصر للغزل والنسيج ـ أكبر شركة في الشرق الاوسط والثالثة على العالم ونادي مجلس بلدية المحلّة الكبرى 1931 ونادي غزل المحلّة 1927 ونادي الصيد الرياضي ونادي الرياضات البحرية ونادي التجديف الرياضي ومركز شباب المحلّة 1955ـ وهو ثاني أكبر مركز شباب في الجمهورية بعد مركز شباب الجزيرة بالقاهرة وقرية الميريلاند السياحية ومدينة ميدو بارك الترفيهية وسوق الجمعة والثلاثاء ومسجد عبدالحي باشا خليل (الباشا) ومسجد عبدالمجيد قادوس وقصر عبدالحي باشا خليل ( قصر ثقافة المحلّة) ومبنى مكتبة مجلس بلدي المدينة (المكتبة العامة) ومصانع الغزل والنسيج الخاصة ومحطة تقوية الارسال التلفزيونى العملاقة ومباني مستشفى صدر المحلّة القديمة (فاروق) ومستشفى كبد المحلّة الجديد (يعتبر من أكبر المراكز المتخصصة بالجمهورية في مجال الكبد) ومركز القلب التخصصى بالمحلّة (الثاني على مستوى الجمهورية بعد معهد القلب بإمبابة) ومستشفى مبرّة المحلّة (تم افتتاحها في عهد الملك فاروق سنة 1942 بحضور الأميرة فوزية شقيقته وتمّ اعادة تجديدها كليا سنة 2002) والنصب التذكاري للجندي المجهول في ميدان 6 اكتوبر والمسرح المكشوف بالحديقة الثقافية بميدان الشون . واستاد الكرة في غزل المحلّة (يحتل المركز الرابع بين استادات مصر من حيث المساحة وسعة الجمهور حيث يسع حوالى29الف متفرج بعد استاد القاهرة والكلية الحربية واستاد الاسكندرية) وتمثال نهضة الصناعة المصرية الموجود بشارع 23يوليو(البحر) ويعبر عن مرأة مصرية تحمل باحدى يدها كتاب واليد الأخرى مرفوعة إلى السماء حاملة ترس صناعة الغزل والنسيج. • قلعه صناعية كبرىيتركز معظم اقتصاد مدينة المحلّة في مجال الغزل والنسيج والتجهيز والصباغة والملابس الجاهزة مع وجود عدد كبير من الانشطة الصناعية والتجارية العديدة مثل صناعة الزيوت والصابون و الالكترونيات والسجاد والطوب الطفلى والصناعات الغذائية. وتستهلك شركة مصر من القطن حوالى مليون قنطار او ما يعادل انتاج مصر من القطن هذا غير باقى الشركات العاملة في مجال الغزل . يوجد بالمحلّة الكبرى عدد من المحالج اشهرها ( النيل لحليج الاقطان - مصر لحليج الاقطان - الدلتا لحليج الاقطان - القاهرة لحليج الاقطان ) وتحتل هذه المحالج مناطق متميزة بالمدينة على مساحات كبيرة حوالى أكثر من 50 فدان وتعتبر هذه المحالج واراضيها بنوك للاراضى داخل المدينة لأن هذه المحالج تم تخصيص اراضى ومحالج بديلة لها خارج الكتلة السكانية للمدينة .تعتبر صناعة الغزل من الصناعات القديمة في المدينة فكان في القدم تغزل نبات التيل الذي اشتهرت به والآن فتنتشر مغازل القطن في ربوع المدينة اشهرهم شركة مصر للغزل والنسج . تعتبر صناعة النسيج من الصناعات المكملة للغزل حتى يخرج إلى الشكل النهائى من اقمشة ومنسوجات وتنتشر بالمدينة مصانع النسيج التى تزيد عن 471 مصنع.• الخاتمةتشكل المحلّة الكبري نموذجا ً فريدا ً لمصر من حيث مكوناتها ومفردات حياتها ومعاناتها وهو نموذج يحمل حضارة وتاريخ وعراقة واصالة اسلامية في ذات الوقت هذا النموذج عبر عن نفسه وأزماته وانحازت اليه قوى شريفة في شتى ارجاء العالم بالتظاهر تضامنا مع عمال المحلّة , كما أنحاز لاضرابه كل الوطن المصري , ومن هنا حدثت الضجة الأعلامية الدولية حول المحلّة الكبري وتصدرت أنباء الأضطرابات فيها وسائل الأعلام وتناقلتها الوكالات , لكن ما حدث في المحلّة يؤكد ان مصر على مشارف تغيير كبير ويشير الى ان الأوضاع الراهنة لا يمكن ان تستمر تحت اي حال من الأحوال , وهو ما أكده الخبراء حينما قالوا إن أخطر شيء يواجهه مجتمع يمر بنوع من التحول في وعيه السياسي والفكري ، كما هو حادث في مصر الآن ، أن تتم الاستهانة بالطبقات المسحوقة والسخرية من قدرتها على التغيير ، فحينئذ سيكون الأمر أكثر من مجرد إضراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق